"الحياة شعلة إمّا أن نحترق بنارها، أو نطفئها ونعيش في ظلام"
!doctype>
Tuesday, 21 February 2017
الفرق بين أخلاق الدعاة وأخلاق الجهاد ؟
الفتاوى - الدعوة - أساليب الدعوة - الفتوى 003 : الفرق بين أخلاق الدعاة وأخلاق الجهاد ؟ .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-04-24
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال:
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي اين اجد بحثكم القيم عن الفرق بين اخلاق الدعاة و اخلاق الجهاد
وجزاكم الله عنا كل خير
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.
الأخ الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
أثبت لك موضوعاً متعلقاً بأصول الدعوة إلى الله
القاعدة الأولى: القدوة قبل الدعوة..
كان صلى الله عليه وسلم عابداً متحنثاً، وقائداً فذاً، شيَّد أمَّةً من الفُتات المتناثر، ورجل حرب يضع الخطط، ويقود الجيوش، وأباً عطوفاً، وزوجاً، تحققت فيه المودة، والرحمة، والسكن، وصديقاً حميماً، وقريباً كريماً، وجاراً تشغله هموم جيرانه، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه يمنحهم من مودته، وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة كلها، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها، ورأوها متمثلة فيه، ولم يقرؤوها في كتاب جامد، بل رأوها في بشر متحرك، فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم، كلٍّ بقدر ما يُطيق فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به.
ولأن القدوة هي أعظم وسائل التربية ذلك، لأن دعوة المترف إلى التقشف دعوة ساقطة، ودعوة الكذوب إلى الصدق دعوة مضحكة ودعوة المنحرف إلى الاستقامة دعوة مخجلة، لذلك كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله، وفضائله، ومكارمه قدوةً صالحة، وأسوة حسنة، ومثلاً يُحتذى، وهي ليست للإعجاب السلبي، ولا للتأمل التجريدي، ولكنها وُجدت فيه لنحققها في ذوات أنفسنا، كل بقدر ما يستطيع.
وقد ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ أن
((يا معاذ أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وحفظ الجار، ورحمة اليتيم، ولين الكلام، وبذل السلام، وحسن العمل، وقصر الأمل، ولزوم الإيمان، والتفقه في القرآن، وحب الآخرة والجزع من الحساب، وخفض الجناح، وأنهاك أن تَسُبَّ حكيمــــاً، أو تكذب صادقاً، أو تُطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً، أو تُفسد أرضاً.. وأوصيك باتقــاء الله عند كل حجر، وشجر، ومدر، وأن تُحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية))
[أخرجه البيهقي في كتاب الزهد]
يستطيع الإنسان أن يكون عالماً جهبذاً في الطب، أو العلوم، أو الهندسة من دون أن تتطلب هذه العلوم ممن يتعلمها قيداً سلوكياً، ولا يُفسد حقائقها أن يتبع النابغ فيها هوى نفسه، في حياته الخاصة، إلا علم الدين، فإنك إن كنت من المتدينين المخلصين، أو من علمائه أو الداعين إليه، فلا بد أن تكون قدوة حسنة لمن تدعوهم إليه، وإلا ما استمع إليك أحد، ولو كنت أكثر الناس اطلاعاً وعلماً في دين الله، ولن ينظر إليك أحد نظرة احترام جديرة بك، إلا إذا كان سلوكك وفقاً لقواعد الدين.
قال ملك عمان، وقد التقى النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما دلني على هذا النبي الأمي، إلا أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد وينجز الوعد.
قال أحد كُتاب السيرة الغربيين الذين أسلموا: " كان محمد ملكاً، وسياسياً، ومحارباً، وقائداً، ومشرِّعاً، وقاضياً، وفاتحاً، ومهاجراً، مارس بالفعل جميع المبادئ التي كان يلقنها للناس، ولن تجد في القرآن حُكماً أو أمراً لم يعمل به النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعو إليه بالقول، فالمرء مثلاً لن يكون عفواً، إلا أن يكون له عدو يلقى منه أشد الإساءة، ثم تدور الدائرة على هذا العدو فيقع في قبضته، ويصبح تحت رحمته، ثم يملك القدرة على الانتقام منه، ثم يعفو عنه.. ثم يقول الكاتب: " تأمل دخول النبـي صلى الله عليه وسلم مكة دخول الظافر المنتصر، وقد خرَّت جزيرة العرب صريعة تحت قدميه، وأصبحت مكة قلعة العدو تحت رحمته، فلو شاء لقطع رؤوس القوم، الذين كانوا بالأمس ألد أعدائه، الذين اتخذوه هزواً، وأمعنوا في اضطهاده والاستخفاف به، ولو أنه عاقبهم بذنبهم لكان مُحقاّ، ولم يكن ملوماً، ولم تظهر فضيلة العفو قط بصورتها الكاملة في تاريخ أي دين من الأديان حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ولولاه لظلت هذه الفضيلة معطلة إلى الأبد ".
القاعدة الثانية: الإحسان قبل البيان..
لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكون رحماء قبل أن نكون أوصياء، فمن لا يرحم لا يُرحم..
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
[سورة الأنبياء]
فالنفوس جُبلـت على حُب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها فهو صلى الله عليه وسلم فتح أقفال القلوب برحمته ورفقه، حتى لانت له القلوب القاسية، واستقامت الجوارح العاصية، قال صلى الله عليه وسلم:
((إنما بُعثت بمدارات الناس))
وحرف الجر (الباء) في كلمة المداراة، يفيد معنى الاستعانة، أي أن النبي الكريم يستعين على هداية الناس بمداراتهم، والمداراة شيء والمداهنة شيء آخر، المداراة بذل الدنيا من أجل الدين، والمداهنة بذل الدين من أجل الدنيا.
بعث النبي الكريم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يُقال له " ثمامة بن آثال "، وكان ثمامة قد أوقع أشدَّ الأذى بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فربطوا ثمامة بسارية من سواري المسجد، فخرج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إليه فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعمْ تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت.. فتركه حتى كان الغد ثم قال له: ما عند يا ثمامة ؟ فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعمْ على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد فقال: ما عند يا ثمامة ؟ فقال: عندي ما قلته لك فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم ندخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله يا محمد ؛ والله ما كان على وجه الأرض أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدين إلي، والله ما كان بلدٌ أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قالوا له: صبوت ؟ قال:
((لا والله، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم ))
[أخرجه الإمام البخاري 8/68-69 في المغازي]
وهذا نوع من الحصار الاقتصادي.
القاعدة الثالثة: الترغيب قبل الترهيب..
لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقدَّم للمدعو الترغيب قبل الترهيب، والتبشير قبل الإنذار، وأن نرغِّبه في الإخلاص، قبل أن نرهبه من الرياء، وأن نرغبه في طلب العلم ونشره، قبل أن نرهبه من الإعراض عنه وكتمانه، وأن نرغبه في الصلاة في وقتها، قبل أن نرهبه من تركها أو تأخيرها، لأن تقديم أسلوب الترغيب يكون أنفع وأجدى من تقديم أسلوب الترهيب، يتَّضح هذا من موقف النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه لعدي بن حاتم حينما أسلم.
يروي عديُ بن حاتم الطائي عن نفسه فيقول: ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يُذكر مني، وكنت ملكاً في قومي فالتقيت به فقال لي: لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، ( أي فقر المؤمنين)، فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه، ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم تقول: إنما اتَّبعه ضعفة الناس، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها تزور هذا البيت لا تخاف أحداً إلا الله، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن المُلك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض في أرض بابل قد فُتحت عليهم، قال عدي: فلما سمعت بذلك أسلمتُ ".
القاعدة الرابعة: التيسير لا التعسير..
لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نُيسر ولا نُعسر، وأن نُبشر ولا ننفِّر، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم عنه صلى الله عليه وسلم: قوله:
((يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا))
[رواه البخاري]
قال الإمام النووي رحمه الله: لو اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله على " يسروا " لصدق على ن يسَّر مرة وعسَّر كثيراً فلما قال:
((ولا تعسِّروا))
، فلكي نجتنب التعسير في كل الأحوال، قال ابن مسعود رضي الله عنه: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا ".
أي كان يعظنا من حين لآخر، دون تتابع لئلا نسأم الموعظة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تكليف الناس ما لا يطيقون ليستمر سيرهم في طريق الإيمان، فالداعية المتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ نفسه بالعزائم، ويسمح للمدعويين بالرخص، تخفيفاً عليهم وتيسيراً لهم، وعن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يُهادي بين ابنيه، قال: ما بال هذا ؟ قالوا: نذر أن يمشي.. قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب ".
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائماً في الشمس، فقال: ما بال هذا ؟ قالوا: نذر ألا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فأمره أن يستظل، ويتكلم، ويصوم ويفطر، وقال: عليكم بما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملوا.
وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه:
((" إن للقلوب إقبالاً وإدباراً فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض))
[راجع المائة المختارة للجاحظ، وغرر الحكم للآمدي ص113]
القاعدة الخامسة: التربية لا التعرية..
لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أقواله وأفعاله ومواقفه من أصحابه في شتى مستوياتهم، وأحوالهم أن الدعوة مهمة تربوية أساسها النفسي الحب الصادق، والرحمة الواعية، والشفقة الحانية على المدعو، وأساسها العقلي: المعرفة الدقيقة والعميقة والشاملة لطبيعة النفس الإنسانية، في قوتها وضعفها في تألقها وفتورها في إقبالها وإدبارها.
لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكلة يخبرهم بذل، وقال لهم: إن رسول الله يريد أن يغزوكم فخذوا حذركم، ثم أرسل الكتاب مع امرأة مسافرة، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير والمقداد وقال: انطلقوا حتى تأتوا موضع كذا، فإن به ظعينة معها كتاب، فخذوه منها فأتوني به، يقول الراوي: فخرجنا حتى أتينا الروضة، وهو المكان الذي حدده لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا لها: لتُخرِجنَّ الكتاب، أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها، أي من ضفائر شعرها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أُناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب: ما هذا يا حاطب ؟ وما حملك على ما صنعت؟.. فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ إني كنت امرأ ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بهم أهلهم، وأموالهم، بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك النسب منهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفراً، ولا ارتداداً عن ديني، فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه شهد بدراً ولعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم " ثم التفت إلى أصحابه، وقال: " صدقوه ولا تقولوا إلا خيراً ".
إنه القلب الكبير، والصدر الواسع، والتفهُّم العميق للحظة ضعف طارئة ألمت بهذا الصحابي، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الموقف الرحيم، أن يعينه وينهضه من عثرته فلا يطارده بها، ولا يدع أحداً يطارده.. وسر التفاوت بين موقف النبي صلى الله عليه وسلم وموقف عمر رضي الله عنه، أن عمر نظر إلى الذنب نفسه فإذا هو خيانة عظمى لله ولرسوله ولدينه، بينما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى لحظة الضعف الطارئة التي ألمت بصاحب الذنب فتفهمه ورحمه.
القاعدة السادسة: مخاطبة العقل والقلب معاً …
علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال سنته وسيرته، أن الإنسان عقل يدرك وقلب يحب، وأن العقل غذاؤه العلم، وأن القلب غذاؤه الحب، وأن العقل أمير القلب، لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن:
((أرجحكم عقلاً أشدُّكم لله حباً))
وإذا كان العقل للنفس كالعين تبصر به فإن الهدي الرباني نور لهذه العين، فأنى للعقل أن يرى الحقائق من دون نور يكشفها له ؟ وإذا كان القلب وما ينطوي عليه من حب محركاً للإنسان، ينتقل ويرقى به فإن العقل مقودٌ يوجه الحركة نحو الهدف، ويجنبها الانحراف والهلاك.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العقل في الإنسان فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: يا نبي الله أتأذن لي في الزنا ؟ فصاح الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قربوه، فدنا حتى جلس بين يديه، فقل له الرسول صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك ؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم: فكذلك الناس لا يُحبونه لأمهاتهم.. أتحبه لابنتك ؟ قال: لا جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، قال: أتحبه لأختك ؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم: كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، ثم ذكر له العمة والخالة، ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال:
((اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّن فرجه))
فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا ".
[راجع كنز العمال 13614 عن ابن جرير]
وإذا كانت مخاطبة العقل تُحدث قناعة، فإن مخاطبة القلب تُحدث موقفاً، فلقد خاطب الأنصار الذين وجدوا عيه في أنفسهم، عقب غزوة حنين، وتوزيع الغنائم، فقال لهم:
((يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟.. أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليُسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، أما ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟.. عندئذ بكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم))
القاعدة السابعة: الدليل والتعليل..
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال ما أُوحي إليه، أن القرآن الكريم كلام خالق السماوات والأرض.. قال تعالى:
﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (6)﴾
[سورة الفرقان]
إذاً لا بد من تطابق دقيق وتام بين مضامين القرآن الكريم، وقوانين الكون بسماواته وأرضه ومخلوقاته، ولا سيما الإنسان، كما أن العقل بمبادئه، مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض، يتفق مع سنن الكون الثابتة، ودعوة القرآن الكريم إلى إعمال العقل في خلق السماوات والأرض، كأداة لمعرفة الله، وكمناط لمسؤولية الإنسان، يؤكد هذا التوافق، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الفطرة الإنسانية تتفق اتفاقاً تاماً مع الإيمان بالله واليوم الآخر وطاعة الله، واللجوء إليه والسعادة بقربه، قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾
[سورة الروم]
لهذا نستنتج أن كل دعوة إلى الله لا يتقاطع في دائرتها النقل الصحيح مع العقل الصريح مع الفطرة السليمة، مع الواقع الموضوعي هي دعوة غير مقبولة، ولا يمكن أن تحقق نجاحاً لذلك قال صلى الله عليه وسلم:
((إنما الطاعة في معروف))
[رواه البخاري 8/47، وسلم 840]
القاعدة الثامنة: الآمر قبل الأمر..
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال ما أوحي إليه، أن العلم وحده هو الوسيلة والطريق إلى الله، قال تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
[سورة فاطر]
وإن المرء ما لم يتعرف إلى الله من خلال آياته الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية، فإنه لا يملك الخشية الكافية التي تحمله على طاعته، واتباع سنة نبيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعـو ويقول:
((الله اقسم لن من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك))
[ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وعزاه للترمذي والحاكم عن ابن عمر ]
لذلك كان التفكُّر في خلق السماوات والأرض طريقاً إلى خشية الله التي هي طريق إلى طاعته، وطاعته طريق إلى سعادة الدارين، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً (17)﴾
[سورة الفتح]
وأي دعوة إلى الله تقتصر على التعريف بأمره ونهيه، ولا تُقدم على التعريف بأمره التعريف به هي دعوة لا يُكتب لها النجاح، قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾
الدكتور محمد راتب النابلسي
والحمد لله رب العالمين
No comments:
Post a Comment